فصل: تفسير الآيات (1- 2):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.سورة التغابن:

.تفسير الآيات (1- 2):

{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2)}
قوله عز وجل: {يسبح له ما في السموات والأرض وما في الأرض له الملك وله الحمد} يعني أنه تعالى متصرف في ملكه كيف يشاء تصرف اختصاص لا شريك له فيه وله الحمد لأن أصول النعم كلها منه وهو الذي يحمد على كل حال فلا محمود في جميع الأحوال إلا هو {وهو على كل شيء قدير} يعني أنه سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء كما يشاء بلا مانع ولا مدافع {هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن} قال ابن عباس: إن الله تعالى خلق بني آدم مؤمناً وكافراً ثم يعيدهم يوم القيامة كما خلقهم مؤمناً وكافراً.
(م) عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله خلق للجنة أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم وخلق للنار أهلاً خلقهم لهم وهم في أصلاب آبائهم».
(ق) عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وكل الله بالرحم ملكاً فيقول أي رب نطفة أي رب علقة أي رب مضغة فإذا أراد الله أن يقضي خلقها قال يا رب أذكر أم أنثى أشقي أم سعيد فما الزرق فما الأجل فيكتب ذلك وهو في بطن أمه» وقال جماعة في معنى الآية إن الله تعالى خلق الخلق ثم كفروا وآمنوا لأن الله ذكر الخلق ثم وصفهم بفعلهم فقال فمنكم كافر ومنكم مؤمن ثم اختلفوا في تأويلها فروي عن أبي سعيد الخدري أنه قال فمنكم كافر حياته مؤمن في العاقبة ومنكم مؤمن حياته كافر في العاقبة وقال عطاء بن أبي رباح فمنكم كافر بالله مؤمن بالكواكب ومنكم مؤمن بالله كافر بالكواكب وقيل فمنكم كافر أي بأن الله خلقه وهم الدهرية وأصحاب الطبائع ومنكم مؤمن أي بأن الله خلقه وجملة القول فيه أن الله تعالى خلق الكافر وكفره فعلاً له وكسباً وخلق المؤمن وإيمانه فعلاً له وكسباً فلكل واحد من الفريقين كسب واختيار وكسبه واختياره بتقدير الله وبمشيئته فالمؤمن بعد خلق الله إياه يختال الإيمان لأن الله تعالى أراد ذلك منه وقدره عليه وعلمه منه والكافر بعد خلق الله إياه يختار الكفر لأن الله تعالى قدر ذلك عليه وعلمه منه هذا طريق أهل السنة فمن سلك هذا أصاب الحق وسلم من مذهب الجبرية والقدرية {والله بما تعملون بصير} أي أنه عالم بكفر الكافر وإيمان المؤمن.

.تفسير الآيات (3- 6):

{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (4) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (5) ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (6)}
{خلق السموات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم} أي إنه أتقن وأحكم صوركم على وجه لا يوجد مثله في الحسن والمنظر من حسن القامة والمناسبة في الأعضاء وقد علم بهذا أن صورة الإنسان أحسن صورة وأكملها {وإليه المصير} أي المرجع في القيامة {يعلم ما في السموات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور} معناه أنه لا تخفى عليه خافية فاستوى في علمه الظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم قوله تعالى: {ألم يأتكم} يخاطب كفار مكة {نبأ الذين كفروا من قبل} يعني خبر الأمم الخالية {فذاقوا وبال أمرهم} أي جزاء أعمالهم وهو ما لحقهم من العذاب في الدنيا {ولهم عذاب أليم} أي في الآخرة {ذلك} أي الذي نزل بهم من العذاب {بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا} معناه أنهم أنكروا أن يكون الرسول بشراً وذلك لقلة عقولهم وسخافة أحلامهم ولم ينكروا أن يكون معبودهم حجراً {فكفروا} أي جحدوا وأنكروا {وتولوا} أي أعرضوا {واستغنى الله} أي عن إيمانهم وعبادتهم {والله غني} أي عن خلقه {حميد} أي في أفعاله ثم أخبر الله تعالى عن إنكارهم البعث إنكارهم البعث:

.تفسير الآيات (7- 13):

{زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7) فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (10) مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (12) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (13)}
{زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل} أي قل لهم يا محمد {بلى وربي لتبعثن} أي يوم القيامة {ثم لتنبؤن} أي لتخبرن {بما عملتم وذلك على الله يسير} أي أمر البعث والحساب يوم القيامة {فآمنوا بالله ورسوله} لما ذكر حال الأمم الماضية المكذبة وما نزل بهم من العذاب قال فآمنوا أنتم بالله ورسوله لئلا ينزل بكم ما نزل بهم من العقوبة {والنور الذي أنزلنا} يعني القرآن سماه نوراً لأنه يهتدى به في ظلمات الضلال كما يهتدى بالنور في الظلمة {والله بما تعملون خبير} يعني أنه مطلع عليكم عالم بأحوالكم جميعاً فراقبوه وخافوه.
قوله عز وجل: {يوم يجمعكم ليوم الجمع} يعني يوم القيامة يجمع الله فيه الأولين والآخرين وأهل السموات وأهل الأرضين {ذلك يوم التغابن} من الغبن وهو فوت الحظ والمراد في المجازاة والتجارة وذلك أنه إذا أخذ الشيء بدون قيمته فقد غبن والمغبون من غبن أهله ومنازله في الجنة وذلك لأن كل كافر له أهل ومنزل في الجنة لو أسلم فيظهر يومئذ غبن كل كافر يتركه الإيمان ويظهر غبن كل مؤمن بتقصيره في الإحسان وقيل إن قوماً في النار يعذبون وقوماً في الجنة ينعمون فلا غبن أعظم من هذا وقل هو غبن المظلوم للظالم لأن المظلوم مغبون في الدنيا فصار في الآخرة غابناً لظالمة وأصل الغبن في البيع والشراء وقد ذكر الله في حق الكافرين أنهم خسروا وغبنوا في شرائهم فقال تعالى: {اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة} وقال في حق المؤمنين {هل أدلكم على تجارة} وقال {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة} فخسرت صفقة الكافرين وربحت صفقة المؤمنين {ومن يؤمن بالله} على ما جاءت به الرسل من الإيمان بالبعث والجنة والنار {ويعمل صالحاً} أي في إيمانه إلى أن يموت على ذلك {يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم والذين كفروا} أي بوحدانية الله وقدرته {وكذبوا بآياتنا} أي الدالة على البعث {أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله} أي بقضاء الله وقدره وإرادته {ومن يؤمن بالله} أي يصدق أنه لا يصيبه مصيبة من موت أو مرض أو ذهاب مال ونحو ذلك إلا بقضاء الله وقدره وإذنه {يهد قلبه} أي يوفقه لليقين حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه فيسلم لقضاء الله تعالى وقدره وقيل يهد قلبه للشكر عند الرخاء والصبر عند البلاء {والله بكل شيء عليم وأطيعوا الله} أي فيما أمر {وأطيعوا الرسول} أي فيما جاء به عن الله وما أمركم به {فإن توليتم} أي عن إجابة الرسول فيما دعاكم إليه {فإنما على رسولنا البلاغ المبين الله لا إله إلا هو} أي لا معبود ولا مقصود إلا هو {وعلى الله فليتوكل المؤمنون}.

.تفسير الآيات (14- 16):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)}
قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوّاً لكم فاحذروهم} عن ابن عباس قال هؤلاء رجال أسلموا من أهل مكة وأرادوا أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم رأوا الناس قد فقهوا في الدين فهموا أن يعاقبوهم فأنزل الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوّاً لكم فاحذروهم} الآية أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وعنه قالوا لهم صبرنا على إسلامكم فلا صبر لنا على فراقكم فأطاعوهم وتركوا الهجرة فقال تعالى فاحذروهم أي أن تطيعوهم وتدعوا الهجرة {وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا} هذا فيمن أقام على الأهل والولد ولم يهاجر ثم هاجر فرأى الذين قد سبقوه بالهجرة فقد فقهوا في الدين فهم أن يعاقب زوجته وولده الذين ثبطوه ومنعوه عن الهجرة لما لحقوا به ولا ينفق عليهم ولا يصيبهم بخير فأمره الله بالعفو والصفح عنهم وقال عطاء بن يسار نزلت في عوف بن مالك الأشجعي وكان ذا أهل وولد فإذا أراد أن يغزو بكوا عليه ورققوه وقالوا إلى من تدعنا فيرق عليهم فيقيم فأنزل الله تعالى إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم بحملهم إياكم على ترك طاعة الله فاحذروهم أي أن تقبلوا منهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا أي فلا تعاقبوهم على خلافكم {فإن الله غفور رحيم إنما أموالكم وأولادكم فتنة} أي بلاء واختبار وشغل عن الآخرة وقد يقع الإنسان بسببهم في العظائم ومنع الحق وتناول الحرام وغصب مال الغير ونحو ذلك {والله عنده أجر عظيم} يعني الجنة والمعنى لا تباشروا المعاصي بسبب أولادكم ولا تؤثروهم على ما عند الله من الأجر العظيم قال بعضهم لما ذكر الله العداوة أدخل من للتبعيض فقال إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم لأنهم كلهم ليسوا بأعداء ولم يذكر من في قوله إنما أموالكم وأولادكم فتنة لأنهم لم يخلوا من الفتنة واشتغال القلب بهم وكان عبد الله بن مسعود يقول لا يقولن أحدكم اللهم إني أعوذ بك من الفتنة فإنه ليس أحد منكم يرجع إلى أهل ومال وولد إلا يشتمل على فتنة ولكن ليقل اللهم إني أعوذ بك من مضلات الفتن.
عن بريدة رضي الله تعالى عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا فجاء الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه ثم قال صدق الله: {إنما أموالكم وأولادكم فتنة} نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب.
وقوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} أي ما أطقتم وهذه الآية ناسخة لقوله: {اتقوا الله حق تقاته} {واسمعوا وأطيعوا} أي لله ولرسوله فيما يأمركم به وينهاكم عنه {وأنفقوا} أي من أموالكم حق الله الذي أمركم به {خيراً لأنفسكم} أي ما أنفقتم في طاعة الله {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} تقدم تفسيره.

.تفسير الآيات (17- 18):

{إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)}
{إن تقرضوا الله قرضاً حسناً} القرض الحسن هو التصدق من الحلال مع طيبة نفس يعني إن تقرضوا أي تنفقوا في طاعة الله متقربين إليه بالإنفاق {يضاعفه لكم} أي يجزكم بالضعف إلى سبعمائة إلى ما يشاء من الزيادة {ويغفر لكم والله شكور} يعني يحب المتقربين إليه {حليم} أي لا يعاجل بالعقوبة مع كثرة ذنوبهم {عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم} والله أعلم.

.سورة الطلاق:

.تفسير الآية رقم (1):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)}
قوله عز وجل: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء} نادى النبي صلى الله عليه وسلم ثم خاطب أمته لأنه المقدم عليهم فإذا خوطب خطاب الجمع كانت أمته داخلة في ذلك الخطاب وقيل معناه يا أيها النبي قل لأمتك فأضمر القول إذا طلقتم النساء أي إذا أردتم تطليقهن {فطلقوهن لعدتهن} أي لزمان عدتهن وهو الطهر لأنها تعتد بذلك الطهر من عدتها وتحصل في العدة عقيب الطلاق فلا يطول عليها زمان العدة وكان ابن عباس وابن عمر يقرآن فطلقوهن في قبل عدتهن وهذا في المدخول بها لأن غير المدخول بها لا عدة عليها نزلت هذه الآية في عبد الله بن عمر كان قد طلق امرأته في حال الحيض.
(ق) عن ابن عمر رضي الله عنهما «أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيظ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: مره فليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها قبل أن يمسها فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء» زاد في رواية «كان عبد الله طلقها تطليقة فحسبت من طلاقها وراجعها عبد الله كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم» وفي رواية لمسلم «إنه طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً» ولمسلم من حديث أبي الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عروة يسأل عمر وأبو الزبير يسمع كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضاً فقال: «طلق ابن عمر امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعها فردها وقال إذا طهرت فليطلق أو ليمسك قال ابن عمر وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن».
فصل:
اعلم أن الطلاق في حال الحيض والنفاس بدعة وكذلك في الطهر الذي جامعها فيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم وإن شاء طلق قبل أن يمس، والطلاق السني أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه وهذا في حق امرأة تلزمها العدة بالأقراء فأما إذا طلق غير المدخول بها في حال الحيض أو طلق الصغيرة التي لم تحض أو الآيسة بعد ما جامعها أو طلق الحامل بعد ما جامعها أو طلق التي لم تر الدم لا يكون بدعياً ولا سنة، ولا بدعة في طلاق هؤلاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً» والخلع في حال الحيض أو في طهر جامعها فيه لا يكون بدعياً لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لثابت بن قيس في مخالعة زوجته قبل أن يعرف حالها ولولا جوازه في جميع الأحوال لأمره أن يتعرف الحال؛ ولو طلق امرأته في حال الحيض أو في طهر جامعها فيه قصداً عصى الله تعالى ووقع الطلاق لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ابن عمر بالمراجعة فلولا وقوع الطلاق لم يأمره بالمراجعة، وإذا راجعها في حال الحيض يجوز أن يطلقها في حال الطهر الذي يعقب تلك الحيضة قبل المسيس كما رواه يونس بن جبير وأنس بن سيرين عن ابن عمر ولم يقولا ثم تحيض ثم تطهر وما رواه نافع عن ابن عمر ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فأمر استحباب استحب تأخير الطلاق إلى الطهر الثاني حتى لا تكون مراجعته إياها للطلاق كما أنه يكره النكاح للطلاق، ولا بدعة في الجمع بين الطلقات الثلاث عند بعض أهل العلم فلو طلق امرأته في حال الطهر ثلاثاً لا يكون بدعياً وهو قول الشافعي وأحمد وذهب بعضهم إلى أنه بدعة وهو قول مالك وأصحاب الرأي.
قوله تعالى: {وأحصوا العدة} أي عدة أقرائها فاحفظوها؛ قيل أمر بإحصاء العدة لتفريق الطلاق على الأقراء إذا أراد أن يطلق ثلاثاً، وقيل للعلم ببقاء زمان الرجعة ومراعاة أمر النفقة والسكنى {واتقوا الله ربكم} أي واخشوا الله ولا تعصوه فيما أمركم به {لا تخرجوهن من بيوتهن} يعني إذا كان المسكن الذي طلقها فيه الزوج له بملك أو إكراء وإن كان عارية فارتجعت كان على الزوج أن يكري لها منزلاً غيره ولا يجوز للزوج أن يخرج المرأة من المسكن الذي طلقها فيه {ولا يخرجن} يعني ولا يجوز للمرأة أن تخرج ما لم تنقض عدتها لحق الله تعالى فإن خرجت لغير ضرورة أثمت فإن وقعت ضرورة بأن خافت هدماً أو غرقاً جاز لها أن تخرج إلى منزل آخر وكذلك إذا كان لها حاجة ضرورية من بيع غزل أو شراء قطن جاز لها الخروج نهاراً ولا يجوز ليلاً، يدل على ذلك أن رجالاً استشهدوا بأحد فقالت نساؤهم نستوحش في بيوتنا فأذن لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحدثن عند إحداهن فإذا كان وقت النوم تأوي كل امرأة إلى بيتها وأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالة جابر وقد كان طلقها زوجها أن تخرج لجذاذ نخلها فإذا لزمتها العدة في السفر تعتد في أهلها ذاهبة وراجعة والبدوية تتبوأ حيث يتبوأ أهلها في العدة لأن الانتقال في حقهم كالإقامة في حق المقيم.
وقوله تعالى: {إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} قال ابن عباس: الفاحشة المبينة بذاءتها على أهل زوجها فيحل إخراجها لسوء خلقها وقيل أراد بالفاحشة أن تزني فتخرج لإقامة الحد عليها ثم ترد إلى منزلها يروى ذلك عن ابن مسعود وقيل معناه إلا أن يطلقها على نشوزها فلها أن تتحول من بيت زوجها والفاحشة النشوز وقيل خروجها قبل انقضاء عدتها فاحشة {وتلك حدود الله} يعني ما ذكر من سنة الطلاق وما بعده من الأحكام {ومن يتعد حدود الله} أي فيطلق لغير السنة أو تجاوز هذه الأحكام {فقد ظلم نفسه} أي ضر نفسه {لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً} أي يوقع في قلب الزوج مراجعتها بعد الطلقة والطلقتين وهذا يدل على أن المستحب أن يفرق الطلقات ولا يوقع الثلاث دفعة واحدة حتى إذا ندم أمكنه المراجعة.